اليوم راح ناخذ نظرة على سيجار ثقيل مكانةً وأداءً من بارتاقاس، وهو السيري P رقم 2. لكن قبل أحتاج أتكلم شوي عن بارتقاس واللي تعتبر من أعرق الأسماء في عالم السيجار من وقت تأسيسها في عام 1845م وحتى يومنا هذا. ولما نجي نعدد أقدم الأسماء في السيجار الكوبي، راح يكون لـ بارتقاس مكانة متقدمة في هذي القائمة، وما أعتقد إنه يسبقه إلا البور لارينياقا والبنش.
في بدايات القرن التاسع عشر، كان فيه هجرة متوالية من الأسبان لأرض كوبا. وفي عام 1831، فيه شاب مهذب من كاتلونيا حط رحاله في هافانا.. الشاب هذا اسمه هيمي بارتاقاس. بدأ اهتمام هيمي بالسيجار وصناعة التبغ يتصاعد من لحظة وصوله لكوبا. قرر وقتها انه يشتري مزارع في منطقة مستحدثة حتى يستعملها لزارعة محاصيله. وبنفس الوقت أسس مصنع للسيجار في 1845. المنطقة اللي زرع التبغ هي اللي نعرفها اليوم باسم فويلتا أباهو، واللي ما راح نبالغ لو قلنا انها أهم منطقة يزرع فيها التبغ في العالم، ومصنعه هو مصنع بارتاقاس اللي سماه على اسم عايلته ولا يزال يحمل نفس الاسم إلى يومنا هذا.
لكن نجاح هيمي بارتاقاس في مشواره هذا كان سبب لوفاته مقتولاً في مزرعته عام 1868. انتقلت ملكية مصنع بارتاقاس لعائلة هيمي واللي بدورهم ما قدروا يحافظون على هذا المصنع في حوزتهم. بعد ما باعوه، انتقلت ملكية هذي العلامة التجارية لسلسلة من رجال الأعمال بعدها، واللي بدورهم حاولوا انهم يثبّتون اسم بارتاقاس في أذهان الناس عن طريق ضم علامات تجارية وتصنيعها تحت نفس المظلة. من العلامات التجارية اللي تم ضمها: بوليفار، لا جلوريا كوبانا، رامون أيونيس. وصل فيهم التمكن لدرجة إنهم كانوا ثاني أكبر مصنّع للسيجار في كوبا في الوقت اللي سبق بدء الثورة الكوبية بقيادة فيديل كاسترو. بعد الثورة، الحكومة الكوبية أصبحت هي المتصرف فيما يخص انتاج السيجار وتم تأميم هذي المصانع. المثير للإهتمام هنا هو إنه من وقت التأميم، شركة التبغ الكوبية كان عندهم فوضى شديدة في ما يتعلق بالأحجام اللي ينتجونها وأيها اللي يتم تصنيعه باليد وأيها يتم لفه باستعمال الآلات. بعد دخول ألتيداس الإسبانية بحصة 50% في ملكية هابانوس، نفضوا الكاتلوج حق معظم العلامات التجارية الكوبية، ومن ضمنها بارتاقاس وحذفوا أشياء كثيرة كانت اما تصنّع عن طريق الآلات أو فيها احجام متكررة بين خطوط انتاج مختلفة من نفس العلامة التجارية.
من ضمن الأحجام اللي بدوا يجربونها كان حجم اسمه بيراميدي ونزلوه في عام 2000 كـ ليميتيد ايديشن، طبعاً اسمه مأخوذ من حجم السيجار المعروف: بيراميدي واللي يبغ طوله 6,125 انش والرينق حقه 52. ويبدو إن الحجم هذا لاقى درجة من النجاح خلتهم يعتمدونه بإصدار جديد تحت خط جديد. اسم الخط الجديد سيري P (من بيراميدي) والرقم 02 طبعاً نسبة لحجمه.
التقديم:
مثل ما أسلفنا، السيجار حجمه أكبر من الأحجام السائدة في اللاينات الكوبية. ويزينه الباند المميز لبارتاقاس باللونين الأحمر والذهبي. فيه ميلان بسيط في تركيب الباند، وما أدري إذا انه واضح في الصور و الا لا، لكنه ما يأثر نهائياً على تجربة التدخين.
الرابر (الغلاف الخارجي) ما هو ناعم بشكل كامل. ملمسه أقرب لأكياس الورق اللي يلفون فيها المعجنات. لونه جميل جداً، وان كان فيه تصبغات في ورقة الرابر من الممكن ملاحظتها فوق الباند، وهذا اللي يخليني اعتقد انه الباند راكب بشكل خطأ لتغطية هذا العيب الشكلي. ما فيه زيوت واضحة على الرابر، لكن اللي واضح جداً هي العروق اللي على البايندر (الغلاف الداخلي) تحت الرابر. النتوءات هذي كانت في منطقة الثلث الأول من السيجار وما كان مبين انها راح تؤثر على تجربة التدخين، وان كنت متخوف من تأثيرها على خط الاحتراق.
الرابر له رائحة جميلة جداً جداً جداً. فيها نوتة من القرفة خلتني طول الوقت جالس اشمشم فيه وانا ارتب مشروب الجلسة. لكن النوتة هذي ما لها وضوح في الفوت (مكان اشعال السيجار)، وهذا يخليني أشك انها راح تكون حاضرة في نوتات التدخين.
ملمس السيجار اسفنجي بشكل عجيب.. لكن بغض النظر عن اسفنجيته، كل شي فيه يصرخ بمصنعية أكثر من رائعة. قست الرطوبة وكانت مثالية وواقفة على 65 بالتمام والكمال.. الحين جاء وقت القص والتحميص.
تجربة التدخين:
اخترت اني اقص السيجار بالـ V-Cutter وكان خيار موفق بكل ما تحمله الكملة من معنى. لما جربت السحبة كانت أكثر من رائعة. الهواء يتدفق معك مع مقاومة بسيطة جداً.. أحس لو كانت القصة سطحها الخارجي أقل من كذا بشعرة أو أكثر من كذا بشعرة، كان راح يبين. نوتة القرفة ما لها وجود مع السحبة الباردة قبل لا أبدأ بتحميص السيجار.
ولعت السيجار وأخذت السحبة الأولى، ومهما كانت مستويات توقعاتك، ما فيه شي في الدنيا ممكن يخليك مستعد للسحبة الأولى من الـ P.02.. نهائياً ما تقدر تستعد. عاصفة هوجاء من السبايس والفلفل الأسود. الدخان كثيف وثقيل ومخملي، وفوق هذا كله ما فيه هذيك المسحة الزيتية اللي تعلق في الفم. من ثقل الدخان احس لو نفخته على ميزان تقطير القهوة بيطلع له وزن. بداية صاخبة وتطالبك بصب كامل انتباهك لها.
بعد ما تعوذت من ابليس، وأخذت سحبتين متتاليات (double puff)، حاولت اني أثبت قوام السيجار. بالنسبة للسيجار الكوبي، هذا سيجار فل بودي بشكل ما يقبل الجدل. لكن عالمياً، هو أقرب للميديوم - فل لو راح نقارنه بالسيجار اللي من الدومينكان مثلاً. لكن بكل الحالات، السيجار ما يلعب. ويحتاج معدة مليانة حتى تقدر تستمتع فيه إلى أقصى حد.
الثلث الأول كان قنبلة من السبايس وبالذات الفلفل الأسود.. تماماً مثل السحبة الأولى. لكن اللي زاد عليها هنا هو حضور لنوتة خشبية مشابهة للسيدار لكن ما هي مطابقة لها. وفيه نكهة محببة تكون دائماً في التبغ المعتق، ولقيتها موجودة وحاضرة حضور قوي هنا. بعد ما تنفخ الدخان الثقيل من فمك راح تحس بنوتة الجلد في سقف الحلق واطراف الفم الخلفية. السيجار يحتاج شي هادي تشربه معه، أو قهوة على أقل تقدير. خياري اني أشرب بيرة يابانية معه ما كان خيار موفق على الإطلاق. كل واحد فيهم لذيذ لحاله، بس لما جمعتهم مع بعض ما كان بينهم أي مودة ورحمة.. وهذا اللي خلاني اقوم اسوي لنفسي شاهي ايرل جراي. وصار التناغم بينهم محسّن للتجربة بشكل أكبر.
دخل الثلث الثاني من السيجار و انا مستمتع فيه بشكل كبير. التجربة كلها على بعضها ممتعة رغم محدودية النوتات فيها. بس اللي بديت ألاحظه هو إنه ما فيه أي انتقالات أو تغيير في النوتات. السيجار ثلثه الثاني مثل ثلثه الأول بالضبط. وهذي نقطة أحتاج أفكر فيها بخصوص التقييم. في جدول التقييم عندي خانات منفصلة لنوتات كل ثلث، وعندي خانة لتوازن النوتات. لكن ما عندي أي خانة لتقييم تنوع النوتات بشكل منفصل. فإذا سيجار أخذ ثلثه الأول النقاط الخمسة كاملة، هل يستحق إنه ياخذ النقاط الخمسة كاملة على نوتات الثلث الثاني إذا ما كان فيها أي تغيير؟ أعتقد من باب العدل من المفترض إن تقييم الثلث اللي يكون مشابه للثلث اللي قبله لا بد ينزل نقطة. لأنه ما هو من المنطقي إن سيجار قادر على تقديم تجربة متنوعة ومتوازنة يتساوى مع سيجار يقدم تجربة متوازنة لكنها تفتقر للتنوع.
لما دخلت الثلث الثالث لقيت إن السيجار معزم على البقاء على نفس نوتاته السابقة لثلث آخر وأخير. هذا ما يعني إن السيجار سيء، لكن دهشتي فيه كل ما لها وتنقص.
التقييم النهائي(90/100):
البارتاقاس سيري P نمبر 02 سيجار جميل جداً وأعتبره من أفضل الخيارات الكوبية لسيجارك المسائي، وتقدر تعتمد عليه بإعطاءك تجربة ممتعة. لكن انعدام الانتقالات والتغيرات من ثلث لثلث خلته يخسر نقطتين في نوتات الثلث الثاني والثلث الثالث. ونزل نقطة بسبب العروق اللي في البايندر، ونقطة بسبب الرماد. ونزل نقطتين بسبب اسفنجية الضغطة على الرغم من مثالية الرطوبة، بالإضافة إلى خصم كل نقاط الندرة لأنه إنتاج معتاد.
في النهاية يبقى عندك سيجار تقييمه 90 ومن أفضل الإصدارات الكوبية المعتادة بالنسبة لي. سيجار يستحق التجربة.
Comments