في عام 1839، والسنوات القليلة اللي لحقتها، كان فيه صيرفي ألماني اسمه هيرمان أبمان يشتغل كممثل مالي لأحد شركات الاستيراد والتصدير. حصل إنه زار كوبا حتى يقفل صفقة من الصفقات. أثناء زيارته الميمونة، تعلق قلبه بأحد أهم منتجات كوبا الزراعية: التبغ.. وتحديداً صناعة السيجار. في عام 1844، (كان وقتها يبلغ من العمر 28 سنة) اشترى مصنع لصناعة السيجار في هافانا وبدأ بإنتاج أول سيجار يحمل اسمه: H. Upmann. واستمرت امبراطوريته اللي تطورت من انتاج السيجار لتقديم حلول تمويلية لمزارعي التبغ في كوبا بالتوسع، حتى بعد تقاعده في 1890، ولاحقاً بعد وفاته عام 1894.
لكن هذا النجاح كان محدود العمر للأسف. في عام 1935، انتهى المطاف بهذي العلامة التجارية لأن تكون ملك للشركة اللي تملك علامة مونتيكريستو، والمكونة من أسرتين: آل منينديز وآل جارسيا (اسمهم راح يكون مهم لقصة سيجارنا اليوم). لكن لأن دوام الحال من المحال، جت الثورة الكوبية وحركة تأميم مزارع التبع ومصانع السيجار وانخطفت أملاك هذي الأسرتين من بين أيديهم.
آل مينينديز قدروا انهم يهاجرون لأمريكا بدون لا يكون بين أيديهم أي ثروة تذكر، ما عدى المعرفة العميقة في عالم السيجار. أول شي سووه في المنفى هو إنهم حاولوا ينتجون سيجار خاص فيهم، ولكن من خوفهم من استعمال الأسماء اللي تركوها في كوبا، كان أول سيجار انتجوه اسمه "مونتيكروز". بعد سلسلة طويلة من القضايا المتعلقة بالحقوق الفكرية، حكمت لهم المحاكم الأمريكية بحقهم بالاحتفاظ بأسماء العلامات التجارية الخاصة فيهم، ومن ضمنها مونتيكريستو، وإتش أبمان. وبسبب هذا القرار القضائي، صار عندنا نوعين من مونتيكريستو ونوعين من إتش أبمان: كوبي وغير كوبي.
في وقت لاحق، جت شركة ألتيداس (فرع أمريكا) واشترت حقوق الأسماء من آل ميندينديز. الجدير بالذكر إن ألتيداس العالمية واللي موقعها في أسبانيا تملك 50% من هابانوس. يعني بعد هالعمر هذا كله صارت شركة واحدة تملك 100% من الفرع الغير كوبي من هذي العلامات التجارية و50% من الفرع الكوبي منها.
ألتيداس الأمريكية لما شافوا عام 2019 يوشك على الاقتراب، قرروا انهم يصدرون اصدار خاص يحتفل بـ إتش أبمان بمناسبة مرور 175 سنة على انشاءها (1844 - 2019)، ومن كان أنسب شخص لهذي المهمة؟ أي جي فيرنانديز بكل تأكيد.
التقديم:
أي جي فيرنانديز لما بدأ في التحضير لهذي الخلطة، ابتدأ من الخارج، وقرر إنه يكون شي جديد ومستحدث في عالم السيجار.
من عام 2006، والعالم مفتنون بعدة أوراق تنمو على قمة نبتة التبغ، وتسمى ميديو تيمبو. الورقتين الموضحتين في الصورة أدناه كانت تستعمل في حشوة السيجار لأكثر من 13 سنة، ومع بدء العمل على سيجار اليوم بدأت رحلة انتقالها لإنها تكون رابر (غلاف خارجي).
أي جي فيرنانديز ما أفصح عن بذرة التبغ المستعملة في هذا الاصدار النادر، لكن أعطى المستهلك فكرة عن طريقة التعتيق المتبعة مع هذا الورق الحساس. كل ورقتين من الميديو تيمبو اللي راح يستعمل كرابر لهذا السيجار تمر بمعالجة مختلفة عن أنواع الرابر الثانية. أول شي سووه هو إنهم أخذوا ورقتين كنيتيكيت برودليف السميكة والقوية جداً، وبعدين حطو ورق الميديو تيمبو بينهم. فصارت الحزمة اللي تم ترتيبها للتعتيق عبارة عن طبقة من الميديو تيمبو تعلوها طبقة من البرودليف، بعدين ميديو تيمبو، بعدين برودليف، وهكذا.. فلك إنك تتخيل يا عزيزي القاريء كيف بيكون وضع هذي الورقة لما تكون قاعدة تستقي الزيوت العطرية من ورقة البرودليف الغليظة لمدة ثلاث سنوات متواصة.. أقل شي ممكن يقال عن الناتج هو إنه كان شي استثنائي جداً.
لون الرابر من درجات البني الغامقة اللي داخل فيها حمرة جميلة وأخاذة. أكثر شي يذكرني فيه من ناحية اللون، من غير الملمس، هو رابر الروزادو. لكن الملمس فيه خشونة رهيبة ومحببة للنفس، لكنها تبقى في تضاد كبير مع زيتية الرابر اللي تحسها وانت تمرر أصابعك عليه. الخشونة هذي تخلي صوت تمرير أصابعك على السيجار يعلق بذهنك.. من جهة ثانية، مصنعية السيجار ما تقدر تلقى فيها ولا غلطة مهما حاولت جهدك وانت تدور فيها شي تعيبه. فعلياً، سيجار متعوب عليه.
لكن جمال السيجار ما يوقف هنا.. النسخة هذي تجي مزينة بباندين مختلفين. نبدأ بالمعهود منها وهو الباند الرئيسي اللي يجي بشكل مذهب مطعم باللون الأسود والأبيض ومزين بتوقيع أي جي فيرنانديز من الخارج ومن الداخل. ويزيد على الباند الرئيسي باند سفلي على الفوت (مكان ما تولع السيجار) بشكل غريب ومختلف عن أي شي ثاني شفته. بالعادة باند الفوت يجي زي الحلقة على السيجار يحفظ الفوت من الارتطامات أثناء النقل حتى ما يتفتق الرابر.. لكن هنا، الفوت باند يغطي فتحة الفوت بالكامل، ومكتوب عليه في الأسفل اسم اي جي فيرنانديز أيضاً.
ريحة الرابر سيدار خالص ما يخالطه أي شائبة. لكن الفوت يعطيك شي من الفاكهة المجففة اللي ماني قادر أثبتها، لكن الأكيد إنها خلابة.
الخلاصة إن السيجار من الخارج يعتبر من أجمل ما مر على حواسي الخمسة.
تجربة التدخين:
قصيت السيجار عن طريق مقص الكوليبري ستريت كت.. جربت السحبة، وكما هي العادة كانت من أروع ما يمكن. لكن مع تجربة السحبة بديت أميز نوتة الفاكهة المجففة أكثر.. تميل لإنها تكون غامقة.. قريبة من الزبيب الأحمر.
ولعت السيجار وأخذت أول سحبتين.. ما أقدر أوصف قد ايش التبغ ناعم ومخملي وفخم في الفم. كثافة الدخان ما هي كبيرة جداً، ولا خفيفة جداً، جاية في المكان الصح. كمية الدخان كذلك، ما هي كثيرة و لا قليلة.. موزونة بالمللي.
لكن خلونا نبعد طعم التبغ وكميتة الدخان وكثافته، ونركز على النوتات اللي موجودة في الثلث الأول. يبتدي الثلث الأول بالمزيد من الفاكهة المجففة اللي تكلمنا عنها.. لكن تبدأ تتضح ملامحها من كل سحبة اضافية. قبل فترة بسيطة لما كنت على الفطور مع الصديق العزيز mzlaj@ كان من ضمن الأشياء المقدمة في سفرته العامرة حلى مزيّن بالتمر والفواكه المجففة، وأحد تلك الفواكه كان البرقوق المجفف (البخارى). وقتها دار بيننا حديث عن نوتات الفواكه المجففة في القهوة و السيجار، لأني لما أتكلم عادة عن نوتة الزبيب الأحمر تكون النوتة اللي في بالي تقف في المنتصف بين مذاق الزبيب الأحمر والبرقوق المجفف.. تخيل معي نوتة حمضية ودها تكون حالية، لكن خلال محاولاتها تترك أثر ناشف في الفم.. هذي النوتة اللي يعطيك اياها السيجار في ثلثه الأول بكل وضوح.. وهذي نوتة تجمع ما بين الزبيب والبرقوق بشكل متناغم. فيه معه النوتة الرئيسية نوتة السيدار واضحة وجلية، ومعها في الخلفية نوتة مُرة بشكل محبب ولذيذ لكن ما هو واضح قوامها للحين.
مع الدخول على الثلث الثاني نوتة الفاكهة المجففة تتراجع أمام النوتة المُرة اللي ذكرت قبل شوي.. هذي النوتة الحين بدت تاخذ شكل واضح وباين وأقرب لمرارة القهوة وقوامها.. الثلث الثاني لحاله كافي لإنك تقرن السيجار هذا مع مشروب لذيذ جداً ويليق به: دبل اسبريسو + تونيك. الرقصة اللي راح يؤديها السيجار مع هذا المشروب على أرضية حاسة تذوقك كفيلة بإنك تنطرب. غياب الفاكهة المجففة أعطت مجال للبهارات انها تطلع بشكل واضح أيضاً، لكن ما كان عندي القدرة على اني اميز أي البهارات هي بالضبط.
كل ما قربت من الباند تبدأ تتصاعد حمضية السيجار بدون ارتباط واضح مع أي واحدة من النوتات. لكن الأكيد إنه يصاحبها انخفاض في مرارة القهوة ونوتة هي أقرب للطبقة المحترقة من اللحم اذا شويته. فيه مذاق معروف للكل لما تلامس هذيك الطبقة المتفحمة اللي لا زال فيها ملوحة من تتبيلة اللحم لأطراف اللسان. اثلث هذا عميق جداً، لكنه مزاجي بشكل يخوف. لو تفكر تسرّع من وتيرة تدخينك حتى لو بشي بسيط جداً في هذي المرحلة راح يعاقبك السيجار بإنه يصير حار بشكل مثبط للنوتات هذي. هنا وزنية تدخينك لازم تكون مضبوطة وهادية.. سحبات طويلة وبطيئة.
التقييم النهائي (96/100):
أي جي فيرنانديز تفوق على نفسه في هذا السيجار. سيجار من نيكاراجوا بالكامل لكنه عالمي الروح والأداء.. رائع من جميع النواحي.
ما نقص الا درجتين في فئة الندرة.. على الرغم من ان السيجار نسخة محدودة، الا انهم أنتجوا منه كمية لا باس بها: 14,750 بوكس وكل بوكس فيه 10 حبات + 50 هيوميدور، وفي كل هيوميدور 50 حبة. الشي الثاني اللي نزل فيه نقطتين ثانية هو السعر مقابل القيمة. السيجار خرافي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكن تصنيفه السعري يحطه في فئة حرجة، وتمنعني من اني اعطيه الدرجة الكاملة في هذي الفئة بعد..
في ما عدى عن ذلك.. أخذ 5/5 في جميع الفئات.. سيجار جبار جداً، وضروري تجربه.